الآن فقط عذرت كل الذين انفتحت لهم طاقة القدر واتيحت لهم فرصة العمر ان يطلبوا من الله شيئا, ولكن الصدمة الباهرة أفقدتهم القدرة على النطق, أو القدرة على ان يرغبوا في شيء, واغلقت امامهم, وفي وجوههم, ودونهم طاقة القدر,وأظلم كل شيء, ولم يتحقق لهم شيء.. لانهم لم يطلبوا شيئا..
وعذرت الذين كسبوا مليون جنيه, ثم ماتوا من شدة الفرحة, كأنهم خسروها لا كسبوها.
إنها ـ إذن ـ المفاجأة لا تقوي مشاعرنا على مواجهتها, أو الوقوف أمامها, او الصمود الوجداني لها..
إنني أحاول ان اصف شعوري, وقد تهيأت للحج, وأحرمت, وتعريت, وتجردت, وأحسست ببرودة النهار والليل, وخفت من كل امراض الدنيا, واعددت لها كل ما اخترعه الطب الحديث, وعلم النفس القديم..
وأقمت من نفسي درعا من لحم ودم, ودرعا آخر من الإرادة واللاإرادة حتي لا انهار جسميا ومعنويا.
إنني كالذي يريد ان يقفز قناة واسعة عميقة, ولذلك يحاول ان يتراجع الى الوراء قبل ان ينطلق فوقها !
*******
انني أحاول أن أرجع الى سنوات مضت عندما ذهبت الى القدس, ووقفت امام حائط المبكي..
ألعن الذين اقاموه والذين عبدوه, واحسست ان هذا الذي أراه يحسدني عليه ملايين اليهود في العالم !!
وتمنيت لو ان قلوبهم ظلت موجوعة متمزقة على هذا الذي رأيت ولم يروه.
ولكن الحائط وتاريخه, ودموع المؤمنين به لم يهزني قدما, ولا ساقا..
وقبل ذلك, رأيت, ومشيت في الطريق الذي سار فيه المسيح عليه السلام.. طريق الآلام.. يحمل صليبه ويتهاوي تحته, ورأيت المهد الذي ولد فيه المسيح, ورأيت الجبل الذي ألقي فيه موعظته الاخيرة, ورأيت الحديقة التي تناول فيها المسيح عشاءه الاخير.. وخانه اشد الناس حبا له, وباعه بفلوس معدودة..
واهتز قلبي حزنا على الرسول الذي جاهد من أجل كلمة الله..
ورأيت معبد النور في طهران.. ودخلت ورأيت سراجا منيرا محاطا بزجاج وقال لي الراهب: هذا النور أبدي !!
وضحكت كيف يكون النور ابديا.. وأنا أستطيع أن أخمده بنفخة من أنفي,, وأي طفل يفعل ذلك, وكيف أعبد سراجا صنعه إنسان, ووضع حوله الزجاج, وتحته الزيت ؟!
إن النور الذي يجب ان نعبده هو الذي وراء كل شيء.. أمامنا, ووراءنا, وفي نفوسنا..
ان النور الابدي هو الله..
*******
ورأيت معبد زرادشت ورأيت معبد بوذا وكونفشيوس..
وفي مدينة كيوتو باليابان دعاني احد الاصدقاء لأرى أحدث ما اهتدت اليه العبقرية اليابانية في العبادة.
فهم في اليابان يعرفون انهم مئات الملايين, اليوم وغدا, وليس في الامكان ان يذهبوا جميعا الى المعابد في وقت واحد.. في اي يوم من ايام الاسبوع. ولذلك فان كل واحد منهم اقام معبدا في ركن من اركان البيت.. يتوجه اليه, ويصلي. فما دام الله في كل مكان.. ففي الامكان ان يصلوا له في اي مكان.. في السيارة.. في الطيارة.. في ركن من اركان اي بيت.
وسألوني: ما رأيك ؟!
ورأيت مئات الألوف يتمرغون في طين الانهار المقدسة, ورأيتهم يصبغون بالدم وجوههم, ويحرقون بالنار أصابعهم.. كل ذلك عملا بالحكمة القديمة: إن اسرع طريق الى الله هو الألم !
ولكن.. اي إله, وأي طريق, وأي ألم؟!
ورأيت أحد الآلهة, وجلست اليه, وشربت معه, وتحدثت, وانتقلت منه عدوي الانفلونزا اليّ, وهنأني وزراء الدلاي لاما على هذا الشرف الذي لم ينله أحد من قبل(!!)
انهم يعاشرون هذا الإله ليلا ونهارا, ولكنه لم يتفضل عليهم بعطسة واحدة.. بسعال, أو التهاب رئوي!! ولكنني أنا الغريب القادم من بلاد بعيدة قد حباني بهذا الالتهاب في أنفي وفي حلقي, وهذا الوخز في جنبي.. فشكرا لقداسته على ذلك !؟
انهم هم الذين يشكرونه بالنيابة عني !؟
*******
أين هذا كله مما أنا فيه؟!
لقد ابتعدت جسميا ونفسيا عن هذا الفيض, والذوبان والتذويب لكل ما حولي, أو على الاصح هذا التذويب لكلي أنا, وما حولي كله.. الى آخر المفردات التي يستخدمها من يذهب الى بيت الله الحرام.
الطواف, والسعي , والدعاء والوقوف, والافاضة, والنفرة , والرمي.. كلها مفردات تدل على ان قوة إنسانية تندفع.. أو على أن قوة روحية تدفع هذا الانسان معا.. أي مع الملايين حول شيء, والى شيء..
ان الدين يطلب من كل مؤمن ان يطيع, وان يكون معا, وان يتجه الى الله. وكل شيء يراه, او حوله ليس الا رمزا الى معنى.. وهذا المعني قد نبه اليه الرسول من أجل ان يتحقق الخير العام لكل الناس.
*******